يتميّز عصرنا بالخوف وانهيار الأخلاق وخاصّة في أوساط الشبيبة، وهذه كلّها ليست بسبب التطوّر الحاصل، بل بسبب تعدّد النظريّات التربويّة وتبدّلها السريع والمتواصل. فما يصُحُّ اليوم يبطل غدًا وما يصحّ غدًا يبطل بعده. فيتحيّر الناس، لأنّهم لو أخذوا بنظريّة ما اليوم لجاء من ينقضها غدًا... وهكذا. في القديم، سادت النظرة التربويّة التي تقول "العصا لمن عصى". وكانت العصا في يد الأم والأب ومعلّم القرية تُرهب الأبناء فيحسبون حساب كلّ خطوة يخطونها.
وحلّت نظريّة جديدة بعد تلك الأولى القاسية: الضرب ممنوع، حتى للحيوان! فالضرب يُفشِّل الولد ويُنتج إنسانًا ضعيف الشخصيّة. فُتِن الجميع بهذا التبدّل، وابتدأ الصغار يُوجَّهون عن طريق الحوار وفي غالب الأحيان يُترَكون ليفعلوا ما يحلو لهم دون أيّ تأديب، لأن الخوف على شخصيّة الطفّل ألاّ تُقتل أرعب الجميع.
وشبّ جيل جديد يفعل ما يشاء دون رادع وامتلأت الدنيا بالتجاوزات حتّى أنّهم في سنّ مبكّرة جدًّا يُدخّنون ويسرقون ويحتسون الخمر ويتعاطون المخدّرات ويقتلون ويفعلون ما يشاؤون. تكلّم عن فلسفة التربية السائدة في عصرنا رئيس محكمة الأحداث بلندن "السير باسيل هنريك" فقال: "إنّ فلسفة الناشئة اليوم: إنّني أرى... وآخذ... وأريد أن استمتع ما استطعت".
ونرى الأهل محتارين بين هذه النظريّة وتلك، وبين هذا الكتاب وذاك... ويزداد قلقهم على أولادهم ويتملّكهم التعب واليأس. تُرى لما ينسون كتاب المقدّس النّافع للتعليم والتوبيخ والتقويم والتأديب الّذي في البرّ، والقادر أن يُساعد الإنسان لكي يصير كاملاً متأهّبًا لكلٍّ عمل صالح؟ لقد نصح بولس الرسول الشّاب تيموثاوس بتبنّي كلمة الله أساسًا للتربية القادرة أن تُعطيه الحكمة والخلاص. وفي كتاب العهد القديم الذي أشار إليه الرسول هناك سفر الأمثال للنبيّ سليمان، الّذي يُعتبر التربويّ الأوّل، وفيه مبادئ أساسيّة للتربية الصالحة إن اعتمدها الأهل لزرعوا في نفوس أولادهم مخافة الله والتوكّل عليه والتحصّن به إذا ما جاءتهم التجربة أو شرُّ ما. في هذا السفر تشديد على أهميّة اقتناء الحكمة، "لأن الحكمة هي الرأس" و"بالحكمة يُبنى البيت وبالفهم يُثبَّت. واقتناء الحكمة يُغني."
ويُساعد الحكيم سليمان الأهل بزرعه في نفوس أطفالهم الإحترام لهم "فمن سبَّ أمّه وأباه يطفىء سراجه في حدقة الظلام". ويُنذر الأولاد أن ينزعوا عنهم التواء الفم وانحراف الشفتين لأنّ الربّ "يكره شفتا الكذب"، ويُحرّضهم الى نبذ الإنفعالات لأن "بطيء الغضب كثير الفهم". وفي محاربة الآفات الإجتماعيّة مثل شرب الكحول وما شابهها وما ينتج عنها، لا يُساوم سليمان مع الخمر وينهي عنها إذ يصفها بالمستهزئة "وتلسع كالحيّة".
ومن أجل تنشئة جيل مجتهد ومثابر في عمله يقول سليمان "المُشتغِل بأرضه يشبع خبزاً وتابع البطّالين يشبع فقراً". ولا يخاف سليمان من نصح الأهل بتأديب أولادهم بالعصا إن اقتضى الأمر، فـ "الجهالةُ مرتبطة بقلبِ الولدِ. عصا التأديبِ تُبعِدُها عنه". وقد رأينا أنّ الأهل الّذين لا يؤدّبون أولادهم عند اقتضاء الأمر ينتهي بهم الأمر يُضرَبون من أولادهم وتُضرب معهم كلّ المبادئ والقيم التي من المفترض أن تحفظ نفوسهم لحياة فاضلة.
من ارتكز في عمليّة التربية على هذه المبادئ وغيرها مّما جاء في سفر الأمثال وباقي الكتاب المقدس يبني حياة بنيه على صخرة لا تتزعزع فينعمون بالبركات ويحميهم الله من سهام ابليس. هكذا تُبنى أجيال تتمتّع بالفضائل في مجتمع غابت عنه القيَم وانتشر فيه الفساد.
رسالة الكلمة - العدد 12 (www.risalatalkalima.com)
نضال صوايا